دراسات
إسلامية
السلبية
والإيجابية وجهًا لوجه
بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)
رغم أننا كثيرًا ما كنا نفتخر بامتلاكنا لحضارة من القيم الإنسانية والروحية النبيلة؛ حيث يطلق علينا أحيانًا مصطلح شعوب روحية . وذلك لكوننا نتمسك بالقيم الدينية ونعلي من شأن الأخلاق. في حين أن الغرب قد ترك الدين والأخلاق، وحقق ظفرات واسعة على مستوى الحضارة المادية والتكنولوجية . وقد كنا نواسي أنفسنا وما نحن فيه من تخلف مادي وعلمي وتكنولوجي، بإعلاء شأن منظومتنا من القيم والأخلاق؛ ولكن يبدو أنه حتى هذه المنظومة التي كنا نتباهى بها، قد أصابها العطب والخلل وبدأت تتصدع أركانها، وأحد تلك الأركان هو قيم كنا نعتز بها مثل الشهامة والنخوة والمروءة والألفة والمحبة والتعاون على البر والنجدة ونصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم . وترعرعت فينا بدلاً منها قيم غريبة عنا أثمرت في شخصنا ما يسمى بالسلبية ، ومع ذلك كله لا نستحي من أنفسنا حين نتغنى بمآثرنا وتمسكنا بقيمنا وادعائنا بأننا الأفضل على الدوام .
وتعرف
الشخصية السلبية علميًّا بأنها الشخصية «الأنامالية»
انطلاقًا من القول الشائع «وأنا
مالي»
وصاحب هذه الشخصية يعيش بعيدًا عن شؤون مجتمعه، غاضًّا بصره عما يحيط به، معتزلاً
الأحداث كبرت أم صغرت ، غير ناظر إليها إلا بمقدار ما يصيبه فيها من خير أو شر،
ليس مهتمًا إلا بما يصل إليه من جدوى، ولو كان الناس في محن وفتن . متصوّرًا أن
هذا الأسلوب كفيل بحمايته، ومنع أي مخاطر أو أضرار عنه، ودرء أي مشاكل يمكن أن
تلحق به في حالة المشاركة أو الإقدام على مساعدة الآخرين . فمثلاً قد يشاهد لصًّا
يسرق ولا يحاول منعه أو تنبيه ضحيته ، وقد يجد من يتعدى على الحرمات ولا يحرك ذلك
منه ساكنًا، وإذا مر بمنكر أو فاحشة أصم أذنيه وأغمض عينيه. وقد يجد مصابًا على
الطريق صدمه سائق أرعن بسيارته، وقد أوشك على الموت، فيكون رد فعله أن يسير
مبتعدًا، ولسان حاله يقول «وأنا
مالي»
أو «ابعد
عن الشر وغني له». وأصبح من المعتاد
أن يشاهد شيخًا كبيرًا أو سيدة مسنة أو مريضًا يقف في وسيلة انتقال كالأتوبيس أو
المترو في الوقت الذي يجلس فيه وهو معافى ولا يرأف بحال أي من هؤلاء، ويجلسهم
مكانه رحمة وإكبارًا. وقد يطلب منه مظلوم أن يشهد له بما رآه فيعتذر عن ذلك
متعللاً بالخوف من الدخول في مشاكل مع الخصوم. ومن مواقفه السلبية أيضًا انصرافه
ومن هو على شاكلته كل فيما يخصه عن الإدلاء بصوتهم في الانتخابات سواء كانت
تشريعية أو رئاسية أو انتخابات النقابات واتحاد الطلاب أو غيرها من جميع أنواع
وأشكال الانتخابات. والهروب من الدفاع عن الأهل والوطن والعقيدة، فطالما نأى خاصة
أهل الفرد منهم ومسكنه، عن منابع الخطر فلا عليه أن يموت غيره من الناس، وهو أسعد
الناس ما دام قد سلم من هذه المهلكات أو الشرور، بل قد يبارك لك ضر ما دام بعيدًا
عنه. بل تعدت سلبيتنا هذه الأحداث الفردية، ووصلت إلى مستوى الشعوب، فقد أصبحنا
مطية لغيرنا من الأمم، يفعل بنا ما لا يتحمله بشر من إذلال وقهر وقتل وتشريد،
ولسنا بفاعلين بأحد من شيء، ويكون رد فعلنا دائمًا هو الصمت والصمت التام، وهذا هو
قمة السلبية وإضافة جديدة لها .
والسلبية
سلوك مذموم نهى عنه الإسلام لأنه يتعارض مع كل قيم الإسلام وتعاليمه التي تحث على
التعاون على البر والتقوى والتسابق إلى الأعمال الصالحة وفعل الخيرات، وهي ليست من
الإسلام في شيء وأن السلبيين المتقاعسين يخالفون قواعد الإسلام وثوابته ولا يقبل
منهم ادعاؤهم الكاذب إلى الإسلام مهما أصروا على ذلك وأقسموا. والفرد السلبي آثم
ويرتكب إثمًا مع كل موقف سلبي يتخذه، ومع كل تقصير من ناحيته في القيام بما أمره
به الإسلام في حق أخيه المسلم وحق مجتمعه . وهو في نظر الإسلام يُعتَبَر مكذبًا
ومسؤولاً مسؤولية عظمى أمام الله تعالى ، ويعرض نفسه للويل والعذاب ؛ لأن الله عز
وجل أنذر من يمتنع عن مساعدة الآخرين بالويل، وهناك نص قرآني صريح يؤكد ذلك ، قال
تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِيْ يُكَذِّبُ بِالدِّيْنِ فَذٰلِكَ الَّذِيْ
يَدُعُّ اليَتِيْمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلىٰ طَعَامِ الْمِسْكِيْنِ فَوَيْلٌ
لِّلْمُصَلِّيْنَ الَّذِيْنَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُوْنَ الَّذِيْنَ هُمْ
يُرَاءُوْنَ وَيَمْنَعُوْنَ المَاعُوْنَ) سورةُ الماعون.
وعلى
النقيض من ذلك نجده في الإيجابية والشخص الإيجابي، فالإيجابية صفة يأمرنا بها
الدين ويحضنا عليها، فالعمل الإيجابي يعود على المجتمع بالخير. ولأن مصطلح
الإيجابية جديد على الساحة نوعًا ما فإن الاطمئنان إلى تأصيله الشرعي واللغوي يصبح
ضرورة حتى لا يفاجأ الواحد منا بواحد من المتحذلقين يقف له في مجلس من مجالس أو
مناسبة من المناسبات يطالبه بهذا التأصيل أو ينكر عليه استعمال هذه الكلمة بحجة
غرابتها أو عدم صحتها في القاموس العربي. فالإيجاب في اللغة هو الموافقة والقبول،
وهو يقابل السلب والنفي، ومادة الفعل «وجب»
ومضارعه «يجيب»
من قوله تعالى (أَمَّنْ يُّجِيْبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه) سورة النمل آية 62.
والأمر منه أجب ، ومنه قوله تعالى (يَا قَوْمَنَا أَجِيْبُوا دَاعِيَ اللهِ) سورة
الأحقاف آية 31 ومنه اسم الله تعالى (المُجِيْبُ) وجاوب الرجل أخاه إذا طاوعه
ووافقه. ومصدر الفعل الإيجاب والمجاوبة. أما عن الأصل الشرعي للإيجابية فإننا لا
نبالغ إذا قلنا: إن الإيجابية هي الحياة أوهي الدين كله. فالدين لم يقع في الأرض
على السلبية والخمول والتقاعس والكسل، وإنما قام من أول لحظة على الإيجابية منذ أن
خاطب الله نبيه بقوله (يَا أَيُّهَا المُدَّثـِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) سورة المدثر
آية 1-2 وخاطبه من قبل ذلك بقوله (يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ
إِلاَّ قَلِيْلاً) سورة المزمل آية 1-2 وعلم نبيه كيف يدعو الناس إلى الله بقوله
(يَا أيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا اِسْتَجِيْبُوا للهِ وَلِلرَّسُوْلِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحِيْيْكُمْ) سورة الأنفال آية 24 وقوله سبحانه (اِسْتَجِيْبُوْا
لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ لَه مِنَ اللهِ
مَالَكُمْ مِنْ مَّلْجَأٍ يَّوْمَئِذٍ وَّمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيْرٍ) سورة الشورى
آية 47 ولو ذهبنا نستقصي ما ورد في القرآن الكريم دالاً على الإيجابية والمسارعة
إلى الخيرات، لأعيانا الحصر، لأن هذا الأمر هو الأساس في دعوة الرسل جميعًا، وهذا
يعني أن الإيجابية ليست دعوة إلى شيء مفقود لنوجده، إنما هي دعوة إلى الموجود من
أوامر الدين، لنفعله ونعيشه ونحققه، وهي ما يعني من جانب آخر أن هؤلاء المدعوين
إلى الحركة، ساكنون بغير داع إلى السكون، وخاملون بغير مبرر للخمول، وخامدون بينما
الناس في الدنيا كلهم يتحركون. فالإسلام يغرس في نفس كل مسلم روح الإيجابية التي
تعني علو الهمة والاجتهاد ، وينأى به عن السلبية التي تعني التكاسل والقعود عن
الازدياد. وقد وجه القرآن الكريم نظر كل مسلم إلى أن يكون إيجابيًا في فعل الخير،
بحيث يندفع إليه دون انتظار لمعونة أحد، أو اعتماد على قيام الغير به. يقول الله
تعالى (فَقَاتِلْ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ
المُؤْمِنِيْنَ عَسـٰـى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا
وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيْلاً) سورة النساء آية 84 فهذه الآية
الكريمة تلفت نظرنا إلى أن المسلم ينبغي أن يتصرف على أساس أنه وحده المكلف
بالأداء، فلا يعتمد على الغير، بل يؤدي ما عليه من واجب، ويحرض الآخرين عليه
أيضًا، فإن استجابوا لدعوته فبه ونعمت، وإلا فلا عذر له في القعود عن نصرة الحق
وأداء الواجب. جاء في تفسير القرطبي: «قال
الزجاج: أمر الله تعالى رسوله ﷺ
بالجهاد وأن يقاتل وحده، لأنه قد ضمن له النصرة. قال ابن عطية: «هذا
ظاهر اللفظ إلا أنه لم يجيء في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة فالمعنى –
والله أعلم – أنه خطاب له في اللفظ وهو مثال ما يُقَال لكل واحد في خاصة نفسه، أي
أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له، فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك.
ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده ومن ذلك قول النبي ﷺ
(فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي) وقول أبي بكر الصديق
وقت الردة: «ولو
خالفتني يميني لجاهدتهم بشمالي».
وفي إشارة قرآنية أخرى ينفي القرآن الكريم التسوية بين المجاهدين والقاعدين، ما لم
يكن ضرر يمنع القاعدين من الجهاد، وفي هذا يقول رب العزة (لاَ يَسْتَوِيْ
القَاعِدُوْنَ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ غيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُوْنَ
فِيْ سَبِيْلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ
المُجَاهِدِيْنَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلىٰ القَاعِدِيْنَ دَرَجَةً
وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الحُسْنـٰـى وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِيْنَ عَلىٰ
القَاعِدِيْنَ أَجْرًا عَظِيْمًا دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً
وَّكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيْمًا) سورة النساء آية 95 وبهذا يدفع الإسلام أتباعه
إلى الإيجابية قيامًا بالواجب وأداء للفرض من جانب، وطمعًا في الثواب ونيلاً
للدرجات من جانب آخر. وفي إشارة قرآنية أخرى يعيب القرآن الكريم على أولئك
المتخاذلين عن نصرة الحق والمتباطئين عن تلبية النداء إذا جد الجد. يقول تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا مَالَكُمْ إِذَا قِيْلَ لَكُمْ انْفِرُوْا فِي
سَبِيْلِ اللهِ اِثـَّاقَلْتُمْ إِلىٰ الأرْضِ أَرَضِيْتُمْ بِالحَيَاةِ
الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ
إِلاَّ قَلِيْلٌ إِلاَّ تَنْفِرُوْا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيْمًا
وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكم وَلاَ تَضُرُّوْهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلى كُلِّ
شَيءٍ قَدِيْرٌ) سورة التوبة آية 38 ويقول سبحانه (هـٰـآ أَنْتُمْ هـٰـؤلاَءِ
تُدْعَونَ لِتُنْفِقُوْا فِي سَبِيْلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَّنْ يَبْخَل وَمَنْ
يَّبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَّفْسِه وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنْتُمُ
الفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثـُمَّ
لاَيَكُونُوْا أَمْثَالَكُم) سورة محمد آية 38 ولا أحد يستطيع إنكار الإيجابية
والشعور بالمشاركة والمبادرات الذاتية في دولة الإسلام الأولى متمثلة في نماذج من
صحابة رسول الله ﷺ ، فمنذ اللحظة
الأولتبادر أم المؤمنين خديجة، بمشاركة رسول الله ﷺ
دعوته، فتستمع إليه وهو يقص عليها ما رآه في غار حراء، وتعيش بجوارحها كلها معه،
فتطمئنه وتهدي من روعه، وتبادر بالذهاب إلى من ترى لديه القدرة على التخفيف والوعي
بالمشكلة وهو ورقة بن نوفل، وتعود لتبشره وتسعده. لينقلب خوفه أمنًا، وفزعه
اطمئنانًا، وحزنه فرحة وسرورًا. وهذا هو أبوبكر يبادر بالاستماع إلى رسول الله ﷺ،
والإيمان بما جاء به، ويبادر بوضع ماله كله تحت تصرف الدعوة، ثم يكون أول من يبادر
ليساعد الضعفاء ويفك أسر المأسورين ويحرر العبيد والمستضعفين. وعند الهجرة يكون
أول من يسارع لطلب الصحبة مع رسول الله ﷺ،
وعند الإسراء والمعراج هذا الحدث الذي أذهل الجميع ووجد المشركون فرصتهم في
التشكيك والفتنة يكون موقف الصديق ثابتًا كالجبل، مبادرًا بقطع داء الفتنة،
قائلاً: إن كان قال فقد صدق. وفي الموقف العصيب الذي أذهل العقلاء وحير الحكماء،
وهو موت رسول الله ﷺ، وقد وقع على قلوب
الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، كالصاعقة يقول الصديق في ثبات واطمئنان: من كان
يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت. ومن قبل
ذلك موقفه في غزوة بدر وفي غزوة أحد عندما شاع
بين الناس أن رسول الله ﷺ قد قُتِلَ، كان جوابه: موتوا على ما مات عليه رسول الله.
وفي حرب الردة يعلن موقفه التاريخي العظيم بإعلان الحرب على المرتدين، ويعقد بيده
آلية أحد عشر جيشًا. ولا تقل مواقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن مواقف الصديق
رضي الله عنه، إيجابية ومسارعة في فعل الخيرات، في إسلامه، وفي هجرته وفي جهره
بدعوته، وفي تحديه قريشًا، وفي عبقريته السياسية بتنظيم الدولة، وإنشاء الدواوين،
وتوزيع الخراج، وإقرار سياسة الدولة الاقتصادية، وتنظيم بيت المال، وموقفه يوم
السقيفة عندما بادر فقطع دابر الفتنة بأن أخذ بيد الصديق وقال: ابسط يدك نبايعك .
وليس
أمر الإيجابية والشعور بالمسؤولية وقفًا على أسماء معينة من مشاهير الصحابة، فقد
كان كل صحابي يدرك أن الإسلام هو مسؤوليته، وأن دولة الإسلام دولته، وأنه شريك في
إقامة دولة الإسلام وحمايتها، وإلا فمن كان يعرف من هو عمير بن الحمام قبل مبادرته
الإيمانية إلى قتال المشركين حتى عد انتظاره ليأكل الثمرات وقتًا طويلاً. ومن كان
يعرف الحباب بن المنذر قبل أن يتقدم بمبادرته إلى رسول الله ﷺ،
وهو جندي مغمور من غمار الناس، لكن رؤيته ونفاذ بصيرته، كانت سببًا في نصر المسلمين
والتخفيف عنهم. وهذا سلمان الفارسي يبادر برأيه الذي كان سببًا في إعزاز الإسلام،
ونصر المسلمين في الخندق. ولو ذهبنا نعد مواقف الإيجابية لأعيانا الحصر، لأن حياة
القوم كلها إيجابية، ومواقفهم هي الإيجابية بعينها، ولهذا قامت دولة الإسلام وعزت
وملكت ما بين الخافقين شرقًا وغربًا في أقل من خمسين عامًا. طاوية تحت جناحها أضخم
ما عرفه التاريخ من إمبراطوريات في حينه فارس والروم. إنك تستطيع أن تقول وأنت
صادق: إن كل فرد من هذه الأمة كان يشعر شعورًا عميقًا بأنه يبني دولته، ويصون
عقيدته، ويحافظ على كيانه وعزته. ولك أن تختار أية فترة تاريخية من حياة الأمة
كانت فيها عزيزة كريمة مهيبة، فإنك لابد وأن تجد أن السمة الأولى التي ميزت تلك
الفترات هي الإيجابية في أبنائها، والسماحة والرجولة والاعتدال في أمرائها، والصدق
والإخلاص والربانية في علمائها، والعفة والحياء والفضيلة في بناتها ونسائها. ولن
تجد فترة من تاريخ أصيبت الأمة فيها بأعدائها إلا وستجد سبب ذلك هو الاستبداد من
حكامها، والتملق والضعف من علمائها، والعجز والاستسلام والخنوع من أبنائها، وتلك كلها صفات سلبية لاتقوم بها دولة ولاتسعد بها
أمة ولا يعز بها كيان. وتاريخنا الإسلامي يشهد أن عصور الامتداد والفتح كانت هي
عصور الاعتدال والرجولة والشجاعة واليقين من قبل الحكام وكانت هي عصور الربانية
والزهد والإخلاص والتقوى من العلماء، واستعادة هذين الصنفين من الأمة يضمن استقامة
النساء وإيجابية الأبناء. مصداقًا لقول الرسول ﷺ (صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس :
العلماء والأمراء). وفي ضوء هذه الإشارات القرآنية المتعددة إلى ضرورة العمل
بالإيجابية والتخلي عن السلبية، فما أجدر أن يعي كل مسلم هذه الحقيقة فيعيش
إيجابيًا بحيث يراه الله حيث أمره ويفقده حيث نهاه، ويكون كالغيث أينما وقع نفع ،
وكالشمس تغرب في مكان لتشرق في مكان آخر، فهي في شروق دائمًا، وبذلك يسعد في دنياه
ويوم يلقى مولاه .
* * *
المراجع :
(1)
مجلة البداية العدد 42 الصادر بتاريخ 14 إبريل 2003م ص8 و9 و10 .
(2)
جريدة الأحرار العدد 4146 الصادر بتاريخ 2 مايو 2003م الموافق غرة ربيع
الأول 1424هـ.
(3)
جريدة اللواء الإسلامي العدد 1218 الصادر بتاريخ 26/5/2005م ص 5.
(4)
جريدة الغد العدد 37 الصادر بتاريخ 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال
1426هـ ص 3.
(5)
مجلة التبيان العدد 16 الصادر بتاريخ غرة ذوالقعدة 1426هـ الموافق ديسمبر
2005م ص 6.
(6) مجلة الأزهر العدد 11 للسنة 78 الصادر بتاريخ ذوالقعدة 1426هـ الموافق ديسمبر 2005م من ص 2001 إلى ص 2005.
مجلة
الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الأولي 1427هـ =
يونيو 2006م ، العـدد : 5 ، السنـة : 30.
(*) 6
شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل وابور
المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.
الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451
الجوّال : 0101284614
Email: ashmon59@yahoo.com